أبو علي محمد بن علي بن الحسين بن مقلة الشيرازي، وُلِد عام (272هـ=886م)، وتُوفِّي بها (328هـ=939م)، خطاط بغدادي وعربي كبير، من أشهر خطاطي العصر العباسي وأول من وضع أسس مكتوبة للخط العربي. عمل للخلفاء العباسيين، وتولى الوزارة للمقتدر بالله سنة 316 هـ ثم نقم عليه ونفاه إلى بلاد فارس عام 318هـ.
ولد بن مقلة في بيت علم وفن اشتهر بخطاطيه. أخذ الخط عن أبيه وعن إسحاق بن إبراهيم البربري الأحول المحرر، وبلغ درجة عالية من الدراية والتعمق به، واستطاع هو وأخوه أبو عبدالله أن ينقلاه نقلة فنية نوعية ـ لم تتفق المصادر التاريخية حول دور كل منهما فيها ـ إذ ألفا من الأقلام التي بلغت أربعة وعشرين، ستة أنواع هي الثلث والريحان والتوقيع والمحقق والبديع والرقاع، وهندس هو ـ أو أخوه ـ مقاييسها وأبعادها معتمدًا على العلاقة بين النقطة والدائرة، فجعل الألف قطرًا لهذه الدائرة ونسب إليها الحروف جميعا، ووضع معايير لضبط الخط والوصول به إلى صيغ جمالية محكمة مما شكل النقلة الأولى في الخط المنسوب، والتي ظلت أساسا بُنيت عليه كل التطورات اللاحقة.
وعرف ابن مقلة بهذا الإسم، لأن له أمّا كان أبوها يلاعبها في صغرها ويقول لها:”يا مقلة أبيها “فغلب عليها هذا الاسم واشتهرت به ، فاتصل هذا الاسم المشهور بابن مقلة الذي كان ضمن سلالتها معروفّ به ، فكان بذلك مقلة الزمان وملك الخط والبيان.
اسهاماته في الخط العربي
كان من إنجازات هذا الوزير أنه أول من هندس حروف الخط العربي، ووضع لها القوانين والقواعد، وإليه تنسب بداية الطريقة البغدادية في الخط، وأول من كتب مصنفاً في الخط العربي ذكر فيها مصطلحات هذا العلم البديع، مثل مصطلحات ” حسن التشكيل” وهي التوفية، والإتمام، والإكمال، والإشباع، والإرسال، ومصطلحات “حسن الوضع ” وهي : الترصيف، والتأليف، والتسطير، والتنصيل.
كما أنه وضع قواعد دقيقة في ابتداءات الحروف وانتهاءاتها، وفي علل المدّات، وأنواع الأحبار، وفي أصناف بري القلم، يقول إدوارد روبرتسن “إن ابن مقلة قد اخترع طريقة جديدة للقياس عن طريق النقط، وجعل الريشة وحدةً للقياس، فقد جعل من حرف الألف الكوفي مستقيماً بعد أن كان منحنياً من الرأس نحو اليمين كالصنارة، وقد اتخذه مرجعاً لقياساته، وخطا ابن مقلة خطوة أخرى، إذ هذّب الحروف، وأخذ الخط الكوفي كقاعدة، وأخرج من هذه الحروف اشكالاً هندسية، وبذلك أمكنه قياس هذه الحروف “.
وابن مقلة هو الذي هندس الحروف وأجاد تحريرها وعنه انتشر الخط في مشارق الأرض ومغاربها، مما يعني أن خطه اتسم بالجمال البديع وذاع صيته في الدنيا، وبلغ به درجة عالية في نفوس الناس حتى وصفوه بأنه أجمل خطوط الدنيا، وقال عنه ياقوت الحموي “كان الوزير أوحد الدنيا في كتبه قلم الرقاع والتوقيعات، لا ينازعه في ذلك منازع، ولا يسمو إلى مساماته ذو فضل بارع “، وقال الثعالبي أيضاً “خط ابن مقلة يُضرب مثلاً في الحسن، لأنه أحسن خطوط الدنيا، وما رأى الراؤون بل ما روى الراوون مثله!”