کتاباتمقالات

مَن سرق الحجر الاسود؟

فريد قدمي :

يتحدث ويليام بوروز، في أحد فصول روايته الشهيرة وأبرز أعماله “الغداء العاري“، عن شخصيتين تُدعيان “كليم وجودي” (Clem and Jody)، يخططان لسرقة الحجر الأسود من مكة بطائرة هليكوبتر.

وربما يرى القارئ الذي ليست لديه معرفة عميقة ببوروز، أن هذه المؤامرة سببها السعر الأسطوري لهذا الحجر، أو يربطها بالشخصية السياسية لهاتين الشخصيتين في الرواية حيث يتظاهران بأنهما أمريكيان، لكن من المحتمل أنهما جاسوسان روسيان، يعملان على تشويه سمعة الأمريكيين لدى المسلمين.

الحجر الأسود هو حجر موضع إجلال عند المسلمين، مكوّن من أجزاء عدة، بيضاوي الشكل، أسود اللون مائل إلى الحمرة، وقطره 30 سم، موجود في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة من الخارج. وفقاً للعقيدة الإسلامية، هو نقطة بداية الطواف ومنتهاه، ويرتفع عن الأرض متراً ونصف متر، وهو محاط بإطار من الفضة الخالصة صوناً له، ويظهر مكان الحجر بيضاويّاً.

في كتاب “الكافي“، الذي يُعدّ من أهم كتب الحديث عند الشيعة وأوثقها، وهو من تأليف الفقيه الشيعي محمد بن يعقوب الكليني، حديث عن الإمام الخامس للشيعة محمد الباقر، يفيد بأن هذا الحجر نزل من السماء، وأن النبي إبراهيم وأصحابه وابنه إسماعيل وجدوه، واستخدمه النبي في بناء الكعبة. في المقابل، تعدّ بعض الأبحاث العلمية العلمانية أن هذا الحجر هو عبارة عن نيزك سقط على الأرض، كما يُعدّه البعض بقيةً من حمم براكانية كانت فعالةً في شبه الجزيرة العربية. لكن لا يختلف أحد على القيمة المادية والتاريخية والدينية لهذا الحجر.

وبالعودة إلى مؤامرة سرقة “الحجر الأسود” في رواية ويليام بوروز: ماذا يمكن أن يُضاف إلى تلك الرواية بالنسبة للقارئ؟

أبو طاهر الجنابي ونهب مكة

ويليام سيوارد بوروز (1914-1997)، كاتب أمريكي، يُعرف بأنه رائد الحركة الثقافية المضادة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويُعدّ من الكتّاب الأكثر إثارةً للجدل في الأدب الحديث، كما أن مؤلفاته ما بعد الحداثوية كان لها الأثر الكبير على الثقافة والأدب سواء في بلاده وخارجها.

ينتمي بوروز إلى “جيل البِيْت“(بالإنجليزية: Beat Generation)، جيل الحركة الأدبية التي ازدهرت في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، وأطلقت أفكارها المعارضة للأدب السائد والرسمي. البوهيمية، والاهتمام بالديانات الشرقية، ونقد النظام الاقتصادي الحديث بشكل ساخر، والتحرر الجنسي، من أهم مبادئ “جيل البيت”. تأثر بها من بين الكتاب والشعراء العرب، الشاعر العراقي سركون بولص، وترجم أعمالاً لشعرائها من الإنكليزية إلى العربية.

في أيلول/سبتمبر 1951، قام ويليام بوروز، الذي كان مدمناً على المخدرات معظم حياته، بوضع كأس على رأس زوجته، جوان فولمر، في حفل في مكسيكو سيتي، وأطلق بوروز النار نحو الهدف، وجاءت الرصاصة في رأس زوجته بدلاً من الكأس، وتوفيت فولمر على الفور. وفي هذه الأثناء هرب بوروز إلى مدينة طنجة المغربية، وتسبب وجوده هناك بتعرّفه على الإسلام.

كانت إقامة بوروز الطويلة في طنجة في المغرب، المدينة التي كتب فيها أجزاءً مهمةً من روايته “الغداء العاري” المثيرة للجدل، هي بداية تعرّف هذا الكاتب بالإسلام، واليوم نعلم أن بوروز كانت لديه معرفة واسعة بالإسلام، إذ قرأ أعمال المستشرقين العظماء مثل هنري كاربوني، ومع معرفته بالتاريخ الإسلامي، خلق قصة شخصين يريدان سرقة الحجر الأسود من الكعبة بجوانب تاريخية جديدة.

قبل أكثر من ألف عام من نشر رواية بوروز، هجم بعض الناس على الكعبة، وسرقوا الحجر الأسود، وليس بالمروحية، بل بالخيول. وبحسب المؤرخ العراقي علي بن حسين المسعودي (896-957)، فإن أبا طاهر الجنابي القرمطي (906-944)، هاجم مكة بنيّة سرقة الحجر الأسود.

يقول المسعودي في كتاب “التنبيه والإشراف“: “ثم سار الجنابي إلى مكة فدخلها يوم الإثنين لسبع خلون من ذي الحجة من هذه السنة (317 هـ)، في ستمئة فارس وتسعمئة راجل، وأميرها يومئذ محمد بن إسماعيل المعروف بابن مخلب، بعد أن كان من بها من الأولياء وغيرهم من عوام الناس من الحاج وغيرهم، صافوه ثم انكشفوا من بين يديه عند قتل نطيف غلام ابن حاج. وكان من شحنة مكة وممن يعوّل عليه وأخذ الناس السيف وعاذوا بالمسجد والبيت.

فاستحرّ القتل فيهم وعمّهم. وقد تنوزع في عدة من قتل من الناس من أهل البلد وغيرهم من سائر الأمصار فمُكثر ومُقلل، فمنهم من يقول ثلاثين ألفاً ومنهم من يقول دون ذلك وأكثر. وكل ذلك ظنّ وحسبان إذ كان لا يضبط وهلك في بطون الأودية ورؤوس الجبال والبراري عطشاً وضرّاً ما لا يدركه الإحصاء واقتلع باب البيت الحرام.

وكان مصفحاً بالذهب وأخذ جميع ما كان من البيت من المحاريب الفضة والجزع وغيره ومعاليق وما يزين به البيت من مناصق ذهب وأنازيرات ذهب وفضة وقلع الحجر الأسود ومقدار موضعه ما يدخل فيه اليد إلى أقل من المرفق… وخرج من مكة”.

ولكن من هم القرامطة الذين هاجموا مكة بقيادة أبي طاهر الجنابي المعروف بأبي طاهر القرمطي؟

كان القرامطة مجموعةً من الشيعة الإسماعيليين الإيرانيين، الذين انتفضوا بشكل واسع في المناطق الجنوبية من العراق ضد الخلافة العربية، وتحدّوا سلطة الحكومة العباسية وأنشأوا حكومتهم (899-1067)، وكان مركزها إقليم “الإحساء” في البحرين. أما الإسماعيليون فهم جماعة من الشيعة، آمنوا بإمامة إسماعيل بن جعفر وذريته بعد استشهاد مؤسس المذهب الشيعي الإمام جعفر الصادق.

عدّ ويليام بوروز نفسه حسن الصباح في الأدب والعالم الحديث، ولكن على عكس الصباح، الذي كان شخصاً متشدداً ومتديّناً، وربما لم يكن يسعد برؤية بوروز، كان من الممكن أن يتفق القرامطة مع بوروز، لأنهم ألغوا عملياً جميع القوانين الشريعة، وركزوا فقط على تعزيز العدالة الاجتماعية.

مؤسس الخلافة الفاطمية عبيد الله المهدي: “ردّوا الحجر الأسود!”

وبما أن القرامطة اعتبروا أنفسهم إسماعيليون وشيعة، وقد قبلوا بعبيد الله المهدي إمامهم، فبعد نهب مكة رووا قصة الحادث لإمامهم (909-934) وهو مؤسس الخلافة الفاطمية، وهي سلالة الخلافة الشيعية العظيمة الوحيدة في تاريخ الإسلام، حيث كانت شيعيةً إسماعيليةً، يعود نسبه إلى السيدة فاطمة بنت نبي الإسلام. ومن المؤرخين المسلمين، فقد قبل البعض مثل ابن خلدون وابن الأثير هذا النسب، بينما ينفيه مؤرخون آخرون مثل ابن خلكان والسيوطي.

خرج عبيد الله المهدي، من أرض حمص في مدينة السالمية ضد الخليفة ثم لجأ إلى المغرب، لكنه بعد فترة غادره وذهب إلى سجلماسة، حيث نجح أخيراً في تشكيل الخلافة الفاطمية، وقبل عامين من وفاته، امتدت خلافته من المغرب إلى مصر وتونس.

ولما علم عبيد الله المهدي بغزوة مكة وسرقة الحجر الأسود، كتب إلى أبي طاهر القرمطي في رسالة شديدة اللهجة: “لقد فوجئت بالرسالة التي كتبتها لي، والتي تمنّ فيها عليّ بارتكابك جرائم ضد حرم الله وجيرانه باسمنا، في الأماكن التي لم تسِل فيها الدماء منذ الجاهلية حتى الآن، حيث إهانة أهلها أمر مُحرَّم، ثم تطاولت أكثر فحفرت الحجر الأسود الذي يُعدّ يمين الله على الأرض، وبهذا كله توقعت منا أن نشكرك، لا شكر لك بل لعنة الله عليك …”.

وفي هذه الرسالة يطلب الإمام الفاطمي من أبي طاهر القرمطي أن يعيد الحجر الأسود إلى بيت الله، لكن أبا طاهر لا يقبل. وهكذا بقي الحجر الأسود في البحرين اثنين وعشرين عاماً، وخلال هذه الفترة حاول القطبان السياسيان في العالم الإسلامي، وهما الخلافة العباسية في بغداد والخلافة الفاطمية في إفريقيا، إجبار القرامطة على إعادة الحجر الأسود، حتى أنه من المعروف أن خلفاء الإسلام العباسيين والفاطميين عرضوا على القرامطة ما يصل إلى خمسين ألف دينار لإعادة الحجر، لكن القرامطة كانوا يرفضون.

وبعد سبع سنوات من وفاة أبي طاهر القرمطي، الذي توفي عن عمر يناهز الثامنة والثلاثين، أُعيد الحجر الأسود إلى مكة سنة 339 هـ، وكان شقيق أبي طاهر وخليفته قد أمر بإعادة الحجر الأسود إلى الكعبة، وكتب في رسالة: “أخذنا الحجر الأسود بناءً على طلب شخص ما، وأعدناه بناءً على طلب الشخص نفسه”، وفي بعض المصادر الأخرى وردت هذه الجملة كما يلي: “أخذناه بقدرة اللّه، ورددناه بمشیئة اللّه”.

ويليام بوروز وآغا خان

وتستمر إمامة الإسماعيليين حتى يومنا هذا. وبعد توقف طويل في تنفيذ مهمتهم الدينية علناً، اجتمع الإسماعيليون النزاريون أخيراً في القرن التاسع عشر حول إمامة الإمام الإسماعيلي. وفي القرن التاسع عشر، حصل حسن علي شاه (1881-1804)، الذي ادّعى إمامة الإسماعيلية (الطائفة النزارية)، على لقب “آغا خان” من ملك إيران آنذاك.

سعى حسن علي شاه، من خلال تأسيس سلالة الآغا خاني، إلى خلق الوحدة والتماسك مرةً أخرى في المجتمع الإسماعيلي المسلم. الزعيم الحالي لطائفة الآغا خاني النزارية هو كريم الحسيني (وُلد في 22 كانون الأول/ديسمبر 1935، في جنيف)، والمعروف أيضاً باسم الآغا خان الرابع.

أصبح كريم آغا خان، إمام الإسماعيلية النزارية عام 1957، في سن العشرين تقريباً، أي قبل عامين فقط من نشر رواية “الغداء العاري”، وفي الوقت نفسه الذي كان فيه ويليام بوروز يقيم في باريس في “فندق بيت”، الذي كان يُعرف بـ”ألموت باريس”.

درس بوروز وكريم آغا خان في جامعة هارفرد، ومما لا شك فيه أن معرفة بوروز بالإسماعيلية كانت أكثر مما يُعتقد. لكن لا أحد يعرف ما إذا كان بوروز يعلم خلال الفترة التي عاشها في باريس أن خليفة حسن الصبّاح كان يعيش بجواره في أوروبا. أم أن كلاهما تخرجا من جامعة هارفارد، وإن كان بفارق عشرين سنة؟ ماذا عن كريم آغا خان؟ هل قرأ رواية “الغداء العاري”، وهل يعلم أن الكاتب الأمريكي الأكثر إثارةً للجدل على مرّ العصور، كانت له علاقة وثيقة بالإسماعيلية وألموت وحسن الصبّاح؟

نادي الحشاشين

“نادي الحشاشين”، هو عبارة عن مجموعة من أشهر المثقفين والكتّاب الفرنسيين، الذين كانوا يجتمعون مرةً واحدةً في الأسبوع في مقهى، للوصول إلى مستويات جديدة من الوعي بتعاطيهم الحشيش.

ازدادت شعبية الحشيش في أوروبا مع بداية القرن التاسع عشر. وفي عصر الرومانسيين، انتشر استخدامه الترفيهي على نطاق واسع بين الأوساط العلمية والأدبية، وكان “الجيش الشرقي”، الذي تكوّن من 151 عالماً وفناناً فرنسياً، قد جلب إلى فرنسا كميات كبيرةً من الحشيش من مصر في أثناء غزوها من قِبل نابليون بونابرت.

في عام 1798، غزا الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت، مصر وسوريا، اللتين كانتا تحت رعاية الدولة العثمانية آنذاك، بهدف الدفاع عن المصالح التجارية الفرنسية، وإطلاق مشاريع علمية في هذه المنطقة، ولتقديم المساعدة العسكرية للسلطان الميسوري تيبو، الذي كان يسعى إلى طرد بريطانيا من شبه القارة الهندية.

وبعد الانتصارات الأولية، انتهت هذه الحملة بهزيمة نابليون وانسحاب فرنسا من المنطقة عام 1801. لكن غنيمة هذه الحرب كانت جلب الحشيش إلى أوروبا، خاصةً إلى فرنسا. كما أدى غزو فرنسا للجزائر بين عامَي 1830 و1847 إلى زيادة استهلاك هذه المادة المخدرة بين الفرنسيين، إذ كان الحشيش موجوداً بكثرة في الجزائر، وكان الفرنسيون يأخذون معهم كميات كبيرةً منه خلال رحلاتهم إلى خارج بلدهم وعودتهم إليه.

واحتل الجيش الفرنسي الجزائر بين عامي 1830 و1962، وكان السبب الرئيسي لهذه الحرب، هو الصراع الدبلوماسي بين فرنسا والجزائر منذ عام 1827، إذ أدت إهانة الحاكم الجزائري للسفير الفرنسي إلى نشوب حرب بين البلدين.

كان “نادي الحشاشين” أو “نادي أكَلة الحشيش”، اسماً يُطلَق على مجموعة من الأدباء والمثقفين والفنانين الفرنسيين، الذين كانوا يحوّلون الحشيش إلى عجين ويأكلونه. نشط هذا النادي في الفترة بين عامي 1844 و1849، ومن بين أبرز أعضائه يمكن ذكر: فكتور هوغو، وتيوفيل غوتييه، وشارل بودلير، وجيرار دي نرفال، وأوجين ديلاكروا، وبول فرلان، وآرثر رامبو، وألكسندر دوماس. وكانوا يُعدّون جميعهم عمالقة الفن والأدب الفرنسيين في القرن التاسع عشر.

كانت تُعقد الاجتماعات الشهرية لنادي الحشاشين، في فندق دي لوزان (Hôtel de Lauzun)، والذي كان يُسمّى آنذاك فندق بيمودان (Hôtel Pimodan)، في جزيرة سانت لويس، الواقعة بقلب باريس. وتُعدّ اليوم هذه الجزيرة من أجمل الأماكن السياحية في فرنسا، على الرغم من أنه لم يعد من الممكن العثور على المشاهير الفرنسيين المتعاطين للحشيش.

ألكسندر دوماس وسندباد والحشاشون

ألكسندر دوماس “الأب” (1802-1870)، روائي وكاتب مسرحي فرنسي لُقّب بـ”سلطان باريس”، بسبب رواياته المغامرة. ولا يزال دوماس يُعدّ واحداً من أشهر المؤلفين وأكثرهم قراءةً على نطاق واسع في فرنسا. كما تُعدّ رواياته مثل “الفرسان الثلاثة”، و”الكونت دي مونت كريستو”، من الأعمال الخالدة في الأدب العالمي.

وقصة رواية “الكونت دي مونت كريستو”، تروي مغامرة شاب يُدعى فرانز ديبينا، يسافر إلى جزيرة مونت كريستو المهجورة، حيث يلتقي بالصدفة بمجموعة من المهربين الذين يقودونه معصوب العينين إلى كهف سرّي، حيث يعيش زعيمهم المعروف باسم “سندباد البحار”.

يرحب سندباد بحرارة بالشاب ديبينا، ويقدّم له وجبةً فخمةً، وبعد ذلك يعطيه وعاءً صغيراً مليئاً بالمعجون الأخضر ليأكله. يتساءل ديبينا عن نوعية هذه المادة الخضراء التي لها طعم حار، فيحكي له سندباد البحار قصة حسن الصباح وأتباعه الحشاشين، الذين كانوا يتعاطون هذه المادة الخضراء، ويظنون أنهم يدخلون الجنة بتناولها.

ومن هذه القصة يمكننا فهم سبب اهتمام “نادي الحشاشين”، بتناول الحشيش؛ إذ كان المثقفون الرومانسيون الفرنسيون في القرن التاسع عشر، مهتمين للغاية باكتشاف الشرق، ويريدون الوصول إلى الجنة الاصطناعية نفسها التي وصل إليها حسن الصباح، أو ربما أرادوا استخدام قوتهم الفكرية، كما كان حسن الصباح يستخدم قوته السياسية من خلال تعاطي الحشيش وفق ظنّهم.

لكن هل القصة التي يرويها السندباد، في رواية دوماس، متجذرة في الواقع؟ أو بمعنى آخر، هل أتباع حسن الصباح في إيران وسوريا كانوا يدخنون الحشيش فعلاً؟ كلمة الحشاشين (Assassin) تُترجم بـ”القتلة” في اللغة الإنكليزية، نظراً إلى سلسلة الاغتيالات التي طالت كبار السلاجقة على يد الحشاشين الذين كانوا أتباعاً لحسن الصبّاح. اتُّهمت هذه الفرقة بتعاطي الحشيش من قبل أهل السُنّة في إيران آنذاك، برغم أنه لم تكن هناك أدلة تثبت هذا الادعاء.

والصبّاح، الذي نشأ في أسرة شيعية اثني عشرية، ترك في شبابه مذهب أسرته واعتنق المذهب الإسماعيلي، وبعد ذلك انضم إلى الفاطميين في أثناء رحلته إلى مصر، ومن ثم عاد إلى إيران في العشرين من عمره، ليكون إمام الفاطميين فيها ويعزز مبادئ المذهب الإسماعيلي وأفكاره التحررية. وفي عام 1090، اختار مدينة “ألَموت” الإيرانية مركزاً لنشاطه السياسي ليقود الإسماعيليين في إيران من هناك.

وفي ذلك الوقت، كان المستنصر بالله الفاطمي (1029-1094)، هو الخليفة، وثامن خلفاء الفاطميين في مصر. تزايدت الصراعات على الخلافة بعد وفاته في عام 1094 في القاهرة، حيث دعم نزار، الابن الأكبر للخليفة، حسن الصباح، لكنه -أي نزار- قُتل على يد أخيه الأصغر.

مع ذلك، روّج حسن الصباح للمذهب النزاري، وأصبح زعيمه في آسيا الوسطى وإيران والعراق والشام، وقطع علاقاته مع الخلفاء الفاطميين تماماً، فيما اتخذ النزاريون من أتباع الطائفة الإسماعيلية من نزار إماماً لهم، بعد الخلاف بينه وبين المستعلي بالله على خلافة أبيهما، ولهذا السبب أصبحوا يُعرفون بالنزاريين.

الشجاعة الفريدة من نوعها التي تمتع بها أتباع حسن الصباح، وكذلك طرائق الاتصال المعقدة بين قلاعهم البعيدة عن بعضها، وأسلوب اغتيالاتهم الشهيرة في جميع أنحاء الأراضي الإسلامية، أدت إلى تكوين أساطير غريبة عنهم.

وكان ماركو بولو (1324-1254)، من الأوائل الذين نشروا أسطورة الحشاشين في الغرب، وذلك قبل قرون من ألكسندر دوماس. يروي الرحالة الشهير في رحلته: “بأمر من زعيم الحشاشين، أعطوا المخدرات لمجموعة من الشباب حتى أُغمي عليهم، ثم نقلوهم إلى مكان جميل للغاية، وكان هذا المكان عبارةً عن حديقة تجري فيها أنهار من اللبن والعسل، وتتواجد فيها فتيات جميلات، حيث بقي هؤلاء الشباب لعدة أيام في هذه الجنة المزيفة، وبعد ذلك تم تخديرهم مرةً أخرى، ونقلهم إلى قائد المجموعة. في هذا الوقت سألهم القائد: أين كنتم؟ فأجابوا جميعهم: ’في الجنة!’، فحضر هنا زعيم الحشاشين شيخ الجبل حسن الصبّاح، وقال لهم: إنكم دخلتم الجنّة بإرادتي، وإذا أردتم الذهاب إلى هناك مرةً أخرى، عليكم أن تفعلوا ما آمركم به. ولذلك كان الشباب على استعداد للتضحية بحياتهم من أجل زعيمهم، ومن أجل دخول الجنة مرةً أخرى”.

تيوفيل غوتييه وشارل بودلير والمعجون الأخضر

تيوفيل غوتييه، الذي كتب لأول مرة في عام 1846 عن نادي الحشيش وعلاقته بحسن الصّبّاح في رسالة بعنوان “نادي الحشاشين” ( Le Club des Hachichin)، يوضح كيفية حضوره لأول مرة في النادي: “في إحدى أمسيات شهر كانون الأول/ ديسمبر، وبعد دعوة مبهمة، مكتوبة بعبارات غامضة، مفهومة للمعارف وغير مفهومة للآخرين، وصلتُ أخيراً إلى حيّ بعيد. كان هذا الحي أشبه بواحة منعزلة في وسط باريس، محاطةً بفرعي من النهر، كأن النهر يغمر الواحة بذراعيه، ويريد أن يدافع عنها ضد تعديات الحضارة… النادي الغريب الذي كنت عضواً فيه كان قد عقد مؤخراً اجتماعاته الشهرية هناك، في منزل قديم في جزيرة سانت لويس، في فندق بوميدان الذي بنته لوزان، وكنت أول من شارك فيه”.

وبحسب وصف غوتييه، استخدم أعضاء النادي عجينةً خضراء مصنوعةً من مزيج من “الحشيش” و”الزيت” و”العسل” و”الفستق”.

تيوفيل غوتييه، هو شاعر وكاتب فرنسي، وُلد في 31 آب/أغسطس 1811، في مدينة تارب الفرنسية، وانتقل مع عائلته إلى باريس وهو في الثالثة من عمره. نَشر غوتييه أول أعماله وهو في التاسعة عشرة من عمره، ومن ثم سافر إلى إيطاليا والجزائر والشرق الأدنى.

كتب العديد من المؤلفات والرحلات، واشتهر في نهاية المطاف خاصةً بين المثقفين الفرنسيين، وكان من المؤيدين لفكرة الفن، وأن الفنان لا ينبغي أن يعمل وفق أي مبادئ اجتماعية أو أخلاقية سوى فنّه. توفي غوتييه في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1872، عن عمر يناهز 61 عاماً، لكنه قبل نهاية حياته، رفض الحضور في جلسات الحشيش تلك.

في النهاية توقف غوتييه والشاعر الفرنسي الكبير شارل بودلير، عن حضور اجتماعات نادي الحشيش. يكتب غوتييه: “بعد المرات العديدة من أكل الحشيش وتعاطيه، توقفنا عن استخدام هذا المخدر نهائياً، ليس لأنه يؤذينا جسدياً، بل لأن الكاتب الحقيقي لا يحلم إلا بالطبيعة، فهو يحتاج إلى نفسه، ويجب ألا تتأثر أفكاره بأي عامل آخر”.

من هو شارل بودلير (1821-1867)؟ وهل كان من متعاطي الحشيش في النادي؟ يمكن تسميته بأعظم شاعر فرنسي معاصر، على الرغم من أن الكثيرين يعدّونه أعظم شاعر فرنسي على الإطلاق، حيث كانت أعماله بداية تحول كبير في الأدب الفرنسي، ويمكن القول إن كل الشعراء الفرنسيين بعده اتبعوه في الكتابة. بعد أربعين سنةً من وفاته، لُقّب بودلير بأعظم شاعر فرنسي. كتب بودلير في أثناء عضويته في نادي الحشيش، عن تجاربه مع هذا المخدّر في كتاب “جنّات اصطناعية” (Les Paradis Artificiels)، الذي نُشر لأول مرة عام 1860.

وُلد تشارلز بودلير، في باريس وتأثر فنياً بوالده. كان أفضل أصدقاء والده من الفنانين البارزين. اعتاد شارل على زيارة المتاحف وصالات العرض، لكنه فقد والده وهو في السادسة من عمره، ومنذ ذلك الحين بدأت علاقته مع والدته تتوتر، وقد لعبت دوراً مهماً في قصائده.

بعد عام من وفاة والده، تزوجت والدته من ضابط في الجيش الفرنسي، ما أحزن شارل كثيراً، حيث أُجبر في سن الحادية عشرة، على أن ينتقل مع عائلته إلى مدينة ليون، وفي تلك البرهة حصل بودلير على ميراث والده، لكنه أفنى هذا الميراث ببذخ غير مفرط.

أصيب تشارلز بشلل دماغي بعد سقوطه على رصيف كنيسة في بلجيكا في آذار/مارس 1866، حيث أدخلته والدته إلى أحد مستشفيات باريس، فمكث فيه حتى توفي أخيراً في 30 آب/ أغسطس 1867، عن عمر يناهز 46 عاماً. دُفن في مقبرة مونبارناس في باريس، وهي المقبرة التي يرقد فيها العديد من المثقفين/ات والفنانين/ات من فرنسا وبريطانيا وأمريكا، مثل جان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار، وسوزان سونتاغ، وأوسكار وايلد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *