متابعات

لماذا قالاكسي يقلد الآيفون عيني عينك

عندما قررت سامسونج أن تُحدث تغييرًا في تصميم جوالها ارتأت أن تقلد أبل، وكأنَّما استغلَّت أبل كبش فداء لها في البحث والتطوير.

نُشرت قبل فترة بعض التسريبات عن تصميم جوال سامسونج «قالاكسي 24» الجديد الذي سيحتوي على التيتانيوم، تمامًا مثل غريمه التقليدي «آيفون 15 برو» و«15 برو ماكس». مع هذا التقليد الواضح وضوح النهار يجوز لنا أن نسأل: لمَ تختار شركة كبيرة مثل سامسونج تقليد منافسها بدل ابتكار ميزة جديدة تضعه في مقدمة السباق؟

قبل محاولتي الإجابة عن السؤال، تجب الإشارة إلى خطوات أساسية في عملية إنتاج أي منتج: البحث والتطوير ومن ثَم التصميم. تنفق الشركات سنويًا مليارات الدولارات على البحث والتطوير (Research and Development) أو «R&D» للاختصار. الهدف هو ابتكار مزايا أو منتجات جديدة غير مسبوقة في السوق؛ لأن الابتكار من أحد العوامل الأساسية التي تحقق «ميزة تنافسية» (Competitive Advantage) للشركة، خصوصًا في سوق فيها تنافسية عالية مثل سوق الجوالات الذكية.

حتى أوضحها لك: قسم البحث والتطوير في أي شركة هو خزنة أسرارها التقنية وخياراتها المستقبلية في التصنيع.

لكن إضافةً إلى ابتكار منتجات وحلول جديدة، فإن الهدف الأساسي أيضًا من قسم البحث والتطوير هو تقليل نسبة المخاطرة لدى طرح أي منتج جديد أو تصميم جديد أو ميزة جديدة. وقد يكبر البحث والتطوير أو يصغر بحسب نوع المنتج أو الخدمة. 

لنفترض مثلًا أنَّ إنستقرام قررت تغيير لون زر نشر الصور من الأزرق إلى العنابي. هذا التغيير يُعد ميزة جديدة لها تداعيات كثيرة، ومن ثم يجب أن يمر الزر بعملية بحث وتطوير يبرِّر هذا التصميم الجديد وتُشرَح ميزاته وماذا سيضيف إلى تجربة المستخدم أو إلى اسم العلامة التجارية أو أي قيمة إضافية يُعتد بها. ويجب على البحث أن يدعِّم نتائجه ببيانات كافية. 

قد يستغرق البحث والتطوير لهذه الميزة أسبوعًا واحدًا لأنها ليست منتجًا كبيرًا. أما مُنتج الكمبيوتر السحابي الجديد «ڤيجن برو» (Vision Pro) من أبل مثلًا، فقد ذكرت بعض التقارير أنَّ أبل كانت تعمل عليه ست عشرة سنة قبل إطلاقه ولم تبدأ بيعه حتى الآن.

هذه العملية مُضنية ومعقدة في كثير من الأحيان؛ ولذلك لا يوجد بحث كامل في عالم الأعمال. كل البحوث ناقصة؛ لأننا مهما حاولنا لن نستطيع الإحاطة بجميع عوامل نجاح الابتكار الجديد وفشله. ومن الخطورة الاستمرار في البحث بعد جمع البيانات الكافية حتى لا ندور في حلقة مُفرغة من السخط على عدم توافر جميع المعلومات اللازمة لاتخاذ بعض القرارات في تصميم المنتج؛ فالهدف هو تقليل المخاطرة لا إزالتها.

والآن إذا رجعنا إلى السنوات الماضية فسنرى أن تصميم القالالكسي من أكثر التصاميم كسلًا ومللًا بين الجوالات الذكية؛ فلا تكاد توجد فروق كبيرة في تصاميم الأجيال 21 و22 و23. هذا لا يعني أن التصميم قبيح أو سيئ، بل على العكس تمامًا؛ لم تُبقِ سامسونج على هذا التصميم إلا لأنها وجدته يحقق لها أهدافها الإستراتيجية. وكما يقول المثل: «طالما لا علَّة فيه لا تفسده بمحاولة إصلاحه» (If it ain’t broken, don’t fix it).

وعندما قررت سامسونج أن تُحدث تغييرًا في تصميم جوالها ارتأت أن تقلد أبل من ناحية جعل أطرافه مصنوعة بالتيتانيوم، وكأنَّما استغلَّت أبل كبش فداء لها في البحث والتطوير. فقد أقدمت أبل على هذا التغيير بعد دورة بحث وتطوير وإنفاق أموال طائلة لترى ردود فعل المستخدمين والانطباع العام عن استخدام اسم التيتانيوم تسويقيًا. وبعد أن اطمأنت أبل إلى النتائج صار اتخاذ هذا القرار أكثر أمانًا وسهولة، ليس لها فحسب، بل لمنافسيها أيضًا.

وهذه هي الكلفة الجانبية والمخاطرة العالية لمن يريد أن يكون له السبق في السوق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *