فیدیوکاست

الخطاط هاشم البغدادي

ولد الخطاط العراقي أبو راقم هاشم بن محمد درباس خليل القيسي البغدادي في 23 ربيع الأول 1340هـ/‏ 24 نوفمبر 1921م، في محلة «خان لوند» في بغداد. وتعلّم الخط منذ طفولته أولًا في الكتاتيب، ثم في المدرسة الأحمدية على يدي الأستاذ علي صابر، والملا علي الفضلي، الشيخ الجليل والعالم بالفروض واللغة، والملا عارف الشيخلي، الذي منحه الإجازة في الخط عام 1363هـ/‏ 1943م،
وكان له الدور الكبير في تطوير إمكانيات البغدادي، ونبوغه في مجال الخط. وفي العام التالي رحل إلى مصر، والتحق بمدرسة تحسين الخطوط بالقاهرة، فنال إعجاب الأساتذة والمشرفين، وأجازه الخطاط سيد إبراهيم، والخطاط محمد حسني، وحصل على شهادة دبلوم الخط من مدرسة تحسين الخطوط في القاهرة في عام 1364هـ/‏ 1945م. ولكنه عاد إلى بغداد، حيث فتح بها مكتبًا للخط في عام 1365هـ/‏ 1946م، ثم سافر إلى إستانبول فتعرف على الخطاطين الأتراك، وخاصة حامد الآمدي (ت 1403هـ/‏ 1982م) فحصل منه على الإجازة مرتين، الأولى في عام 1370هـ/‏ 1950م، والثانية في عام 1372هـ/‏ 1952م. ويذكر مؤرخو رحلته مع الخط أنه اتخذ من الخطاطين الأتراك مرجعًا فنيًا له، وكان معجبًا بخطوط الحافظ عثمان، ومحمد شوقي، وأحمد الكامل آقديك، وحامد الآمدي، غير أن إعجابه بالخطاط مصطفى راقم تجاوز كل حد إلى أن أعطى ابنه البكر اسم راقم إعجابًا وتقديرًا.
بدأ حياته العملية خطاطًا في مديرية المساحة العامة في بغداد في عام 1937، وأشرف على طبع «مصحف الأوقاف» الذي نشرته مديرية المساحة العامة ببغداد لأول مرة عام 1370هـ/‏ 1950م. وفي عام 1380هـ/‏ 1960م انتقل إلى العمل بوزارة التربية رئيسًا لفرع الزخرفة في معهد الفنون الجميلة، وأرسل موفدًا إلى ألمانيا من قبل وزارة الأوقاف العراقية للإشراف على طبع القرآن في إحدى مطابعها في عام 1979م. كما تمّ تعيينه محاضرًا في معهد الفنون الجميلة في سنة 1380هـ/‏ 1960م، ثم رقي إلى رئيس قسم الخط والزخرفة الإسلامية في المعهد، وبقي في منصبه إلى وفاته في 27 ربيع الأول 1393هـ/‏ 30 أبريل 1973م ودفن في بغداد بمقبرة الخيزران. وعند وفاته قال الخطاط حامد الآمدي «ولد الخط وتوفي في العراق». ويروى أنه كتب له رسالة مؤرخة بسنة 1371هـ/‏ 1951م، قال فيها «ولدي هاشم محمد البغدادي الخطاط، شاهدت فيك الصدق والإخلاص والمحبة لهذا الفن، الذي لن يندثر ما دام الإسلام باقيًا، وأتوسم فيك أن تكون من أخيار الخطاطين في العالم الإسلامي، فلك أهدي التحيات لما أنت عليه من تقدم دائم».
يُعرف على المستوى العربي والإسلامي بإتقانه التام الخط العربي، وبرونقه الجميل، الذي خط به حروف القرآن الكريم، فقد كان عاشقًا للحرف العربي، شديد الغيرة على التمسك بقواعد الخط، ولعل من ميزات خطوطه هو التأكيد على قولبة الحروف، أي إمكانية إعادة كتابة نفس الحرف مرات عديدة بصورة متطابقة تمامًا، وقد برع في تجويد خطوط الثلث والثلث الجلي والتعليق، ويُلقب بنابغة الخط العربي. وله اسهامات كثيرة على واجهات وجدران جوامع بغداد، تضم روائعه الخطية والزخرفية، وخاصة جامع الحيدر خانة في شارع المتنبي، إذ كتبه في عام 1390هـ/‏1970م. وله الكثير من الكتابات والخطوط على الأوراق النقدية والمسكوكات العراقية والتونسية والمغربية والليبية والسودانية، وله الكثير من اللوحات الفنية في متحف الفنانين الرواد ببغداد، كما كتب عناوين الكثير من الكتب والكتب المدرسية والمجلات ما لا يُعد ولا يُحصى. ؛ الأمر الذي يجعله بحق ثروة قومية نادرة وتجربة فنية رائدة، واستطاع أن يعيد لبغداد مجدها في الخط العربي.
ويُعد إنتاج البغدادي الفني ثمرة متكاملة لمجموعة من التجارب الفنية الرائدة؛ لكونه يمثل لوحة فنية رائعة من لوحات الخط العربي، وخلاصة مدارس ومجمع خبرات فنية موروثة استطاع أن يستوعبها ويمزج بينها، ويوحد قواعدها، ليستخلص لنفسه قاعدة هي أقرب إلى القاعدة البغدادية، التي أولع بها، وأتقن أصولها، وأفرد لها حيزًا كبيرًا من فنه، فقد عزز موهبته وحبه وشغفه بالخط منذ طفولته بما رآه من خطوط لأساطين الخطاطين على مساجد بغداد، ومن لوحات جميلة تزين جدارن ومحاريب جوامع المدينة. وترك بصمته على الخط العربي عربيًا وإسلاميًا، إذ عرف بإتقانه التام للخط، وبطريقته الجميلة في كتابة القرآن الكريم، ولبراعته الخطية، ولكونه من أهم الخطاطين الذين أولوا موضوع الإتقان عناية بالغة، ولم يقتصر ذلك على نوع واحد من الخطوط كما سبق الذكر، وإنما تعدى ذلك ليشمل أغلب الخطوط المتداولة، وتعد هذه إحدى المزايا التي ميزته مقارنة بخطاطين آخرين تميزوا وبرعوا وأبدعوا في نوع واحد أو نوعين من الخطوط، ولعل هذا ما جعل المتخصصين في فنون الخط العربي يعتبرونه «طودًا شامخًا في أرض التراث، وقلعة من قلاع الحضارة، ونابغة من نوابغ الفن وأساطينه، الذين ينير وجودهم في التاريخ».
وأصدر مجموعة في خط الرقعة في عام 1366هـ/‏ 1946م، وأخرى في قواعد الخط العربي في عام 1381هـ/‏ 1961م، ولا تزال تدرس في كثير من معاهد الخط العربي في العراق وغيرها من بلدان العالم الإسلامي. وترك مسودة لكتاب «طبقات الخطاطين» الذي نشر في عام 2008م، أي بعد خمس وثلاثين سنة من وفاته، وكان أول معرض للخط العربي يقام ببغداد معرضه في سنة 1964. وكرمه بابا الفاتيكان بمنحه وسام البابا تقديرًا له على إنجازه كتابة القرآن الكريم، والذي أهدى البغدادي نسخة منه للبابا. ومنحته ألمانيا لقب «بروفيسور»، وطلبت منه حكومتها العمل في متحف هامبورغ وبرلين، لكنه رفض ذلك وفضل العودة إلى وطنه، إذ سافر إلى ألمانيا مرتين موفدًا من وزارة الأوقاف العراقية للإشراف على طباعة المصحف الشريف، وكان آخرها في عام 1970م، ولمدة ثلاث سنوات.
تعلم على يديه الكثير من الطلبة البارزين في الخط العربي، ومنهم الخطاط الشاعر وليد الأعظمي، وصادق الدوري، وعبد الغني العاني، وطه البستاني، وجمال الكباسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *